فصل: ذكر أيام يزيد بن معاوية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر خلافة علي بن أبي طالب:

وبويع علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ويكنى أبا الحسن وأمه فاطمة ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف في اليوم الذي قتل فيه عثمان قال المسعودي: وكان بين بيعته إلى وقعة الجمل بالبصرة خمسة أشره واحد وعشرون يوماً، وقتل من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفاً من الأزد أربعة آلاف وقيل دون ذلك، ومن ضبة ألف ومائة، وباقيهم من سائر الناس، وقتل من أصحاب علي رضي الله عنه نحو ألف، وقيل دون ذلك أو أكثر.
وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة سنة 36، وبين وقعة الجمل والتقائه مع معاوية للقتال بصفين سبعة أشهر وثلاثة عشر يوماً وكان أول يوم وقعت الحرب بينهم بصفين يوم الأربعاء غرة صفر سنة 37 وتنوزع في عدة من كان مع علي عليه السلام فمكثر ومقلل والمتفق عليه من تنازعهم أنه كان في تسعين ألفاً وكان معاوية في مائة ألف وعشرين ألفاً، وقيل دون ذلك وأكثر منه، وقتل بصفين سبعون ألفاً من أصحاب علي رضي الله عنه منهم خمسة وعشرون ألفاً، منهم خمسة وعشرون بدرياً من الصحابة.
منهم عمار بن ياسر العنسي، عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكان حليفاً لبني مخزوم، وقتل من أصحاب معاوية خمسة وأربعون ألفاً وقيل في عدة من قتل بينهما دون ذلك أو أكثر.
وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام والوقائع بينهم تسعون وقيعة وبين وقعة صفين والتقاء المحكمين ابي موسى الأشعري وعمرو بن العاص بدومة الجندل في شهر رمضان سنة 38 سنة وخمسة أشهر وأربعة وعشرون يوماً، وبين والتقائهما، وخروج علي إلى الخوارج بالنهروان وقتله إياهم سنة وشهران.
وكانت الخوارج أربعة آلاف عليهم عبد الله بن وهب بن الراسبي، راسب ابن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد، وليس براسب بن الخزرج بن جدة بن جرم بن ربان بالراء بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ولا راسب في العرب من معد وقحطان غير هذين فتفرقوا عند نزول علي رضي الله عنهم بإزائهم ودعائه إياهم وبقي عبد الله بن وهب في ألف وثمانمائة وقيل ألف وخمسمائة، وقيل ألف ومائتين فقتلوا إلا نفراً قليلاً، وقيل إن السبب في تفرق من تفرق عنه أن الخوارج تنادوا عند إحاطة أصحاب علي عليهم السلام بهم وإسراعهم فيهم يا إخوتنا أسرعوا بنا الروحة إلى الجنة فقال عبد الله بن وهب: فلعلها إلى النار فقال من فارقه مرائياً: نقاتل مع رجل شاك. ففارقوه، وبين خروجه إلى الخوارج وقتل عبد الرحمن بن ملجم اليحصبي وعداده في مراد إياه سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام، وكثير من الخوارج لا يتولى ابن ملجم لقتله إياه غيلة، وبين ذلك وبين أول الهجرة تسع وثلاثون سنة وثمانية أشهر وعشرون يوماً.
واستشهد بالكوفة في أول العشر الأواخر من شهر رمضان سنة 40 وتنوزع في مقدار عمره فذهب قوم إلى أن استشهد وله ثمان وستون سنة.
هذا قول من يذهب إلى أنه أسلم وله خمسة عشرة سنة، وقال آخرون استشهد وله ست وستون سنة، هذا قول من يذهب إلى أنه أسلم وله ثلاث عشرة سنة. وقال آخرون استشهد وله ثلاث وستون سنة، هذا قول من يرى أنه أسلم وله عشر سنين.
وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الكتاب عند ذكرنا مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وهجرته التنازع في أول من أسلم، وقول من قال إنه أسلم وله دون ذلك إلى خمس سنين، وهؤلاء يذهبون إلى أن استشهد وله ثمان وخمسون سنة.
وهذا أقل ما قيل في مقدار عمره وبينا أغراضهم في ذلك وقصدهم لإزالة فضائله ودفع مناقبه، وتنوزع في موضع قبره، فمنهم من قال دفن بالغري وهو الموضع المشهور في هذا الوقت على أميال من الكوفة، ومنهم من قال دفن في مسجد الكوفة، ومنهم من قال بل في رحبة القصر بها، ومنهم من قال بل حمل إلى المدينة فدفن بها مع فاطمة، وغير ذلك من الأقاويل مما قد أتينا على ذكره.
وقد ذكرنا مقاتل آل أبي طالب وأنسابهم ومواضع قبورهم ومصارعهم في كتابنا في أخبار الزمان ومن أباده الحدثان، من الأمم الماضية والأجيال الخالية، والممالك الداثرة وفي رسالة البيان من أسماء الأئمة وما قالته الإمامية في ذلك ومقادير أعمارهم وكيفية أعدادهم.
وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكان أسمر عظيم البطن، أصلع أبيض الرأس واللحية، أدعج عظيم العينين، ليس بالطول ولا بالقصير، تملأ لحيته صدره لا يغير شيبه، وكان كاتبه عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونقش خاتمه الملك لله وقاضيه شريح وحاجبه قنبر مولاه، وكان له من البنين أحد عشر، الحسن والحسين أمهما فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومحمد بن الحنفية، وأمه خولة ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع ابن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وعمر أمه أم حبيب الصهباء بنت ربيعة بن بحير بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة ابن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل، والعباس أمه أم البنين ابنة حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد وهو عامر بن كعب ابن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وعبد الله جعفر وعثمان ومحمد الأصغر ويكنى أبا بكر، وعبيد الله ويحيى، والمعقبون منهم خمسة، الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر والعباس، ومن البنات ست عشرة، منهن زينب وأم كلثوم وأمهما فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فالعقب للحسن بن علي بن أبي طالب بن زيد والحسن، والعقب لزيد بن الحسن بن زيد، والعقب للحسن بن الحسن من جعفر وداود وعبد الله والحسن ومحمد وإبراهيم والعقب للحسين بن علي بن أبي طالب من علي الأصغر ابن الحسين، والعقب لعلي بن الحسين من محمد وعبد الله وعمر وزيد والحسين بن علي، والعقب لمحمد بن الحنفية من جعفر وعلي وعون وإبراهيم، والعقب لجعفر ابن محمد من عبد الله ولعلي بن محمد من عون ولعون بن محمد من محمد ولإبراهيم بن محمد من محمد فأما أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو أكبر ولده فقد ظن قوم أن له عقبا ولم يعقب، والعقب لعمر بن علي بن أبي طالب من محمد بن عمر، والعقب لمحمد بن عمر من عمر وعبد الله وعبيد الله وجعفر، والعقب للعباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام من عبيد الله بن العباس، والعقب لعبيد الله من الحسن بن عبيد الله وكان العقب لأبي طالب بن عبد المطلب من ثلاثة عقيل وجعفر وعلي لأن طالباً الذي به كان يكنى لا عقب له وبين كل واحد من الأخوة عشر سنين أكبرهم طالب ثم يليه عقيل ثم يلي عقيلاً جعفر ويلي جعفراً علي، وكان له من البنات اثنتان أم هانئ وجمانة.
قال المسعودي: فإذ قد بينا ولد أمير المؤمنين علي وعقبه فلنذكر ولد جعفر وعقيل والمعقبين منهم ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله وعون ومحمد المقتول بصفين التقى وعبيد الله بن عمر بن الخطاب فقتل كل واحد منهما صاحبه وإلى هذا ذهب نساب آل أبي طالب وإن كانت ربيعة تنكر ذلك، وتذكر أن بكر بن وائل قتلت عبيد الله بن عمر المعقب منهم عبد الله. وبه كان يكنى وقيل بأبي الفضل والأول أشهر، والعقب لعبد الله من علي واسحق ومعاوية وإسماعيل.
وولد عقيل بن أبي طالب يزيد وبه كان يكنى ومحمداً وسعيداً وجعفراً الأكبر، وأبا سعيد الأحول، ومسم بن عقيلن وعبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر، وجعفراً الأصغر، وحمزة وعيسى وعثمان وعلياً الأصغرن المعقب منهم محمد والعقب لمحمد من عبد الله بن محمد.
وما ذكرنا من أنساب آل أبي طالب، فمن كتاب أنسابهم الذي حدثنا به طاهر بن يحيى بن حسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه، ومما أخذناه من ذوي المعرفة منهم بأنسابهم.
وما ذكرنا من عقب أبي بكر وعمر وعثمان فمن كتاب أنساب قريش للزبير ابن بكار: وما حدثنا به أبو بكر عبد الله بن محمد المعري القاضي بمكة، وأبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي الأموي، وأبو الحسين الطوسي وحرمي وغيرهم بمدينة السلام، ومما أخذناه عن ذوي الدراية منهم بأنسابهم.

.ذكر خلافة الحسن بن علي عليه السلام:

وبويع الحسن بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاة أبيه بيومين، وذلك لسبع بقين من شهر رمضان سنة 40، ثم صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة 41، وقد رأى قوم أن ذلك كان في جمادى الآخرة أو الأولى من هذه السنة، والأول أشهر وأصح عندما من مدة أيامه.
وكانت خلافته إلى أن صالحه ستة أشهر وثلاثة أيام، وهو أول خليفة خلع نفسه وسلم الأمر إلى غيره.
وتوفي بالمدينة مسموماً فيما ذكر في شهر ربيع الأول سنة 49، وله ست وأربعون سنة، ودفن ببقيع الغرقد مع أمه فاطمة عليها السلام.
وهناك إلى هذا الوقت رخامة مكتوب عليها الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، سيدة نساء العالمين والحسن بن علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين بن علي. ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، رضوان الله عليهم أجمعين.
وكان الحسن أحد المشبهين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما ذكرنا من صفته ومن أشبهه في كتاب الاستذكار.
وكان كاتبه عبيد الله بن أبي رافع، وقاضيه شريح، وحاجبه سالم مولاه. وقيل قنبر.

.ذكر أيام خلفاء بني أمية والأحداث التي جرت لهم:

.ذكر أيام معاوية بن أبي سفيان:

وبويع معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ويكنى أبا عبد الرحمن، وأمه هند ابنة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس- في شهر ربيع الأول سنة 41.
وتوفي بدمشق في رجب سنة 60 وله ثمانون سنة، ودفن بدمشق في الموضع المعروف بباب الصغير. وقبره مشهور في تلك المقبرة، وقيل بل في الدار المعروفة بدمشق الخضراء، إلى هذا الوقت في قبلة المسجد الجامع، وفيها الشرطة والحبوس. وكان بها ينزل ومن ولي الأمر بعده من بني أمية ممن سكن بدمشق وإن الذي في مقبرة باب الصغير قبره قبر معاوية بن يزيد بن معاوية.
وكانت أيامه تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياماً، وكان طويلاً مسمناً أبيض كبير العجيزة، قصير الهامة، جهم الوجه، جاحظ العينين، عريض الصدر، وافر اللحية، يخضب بالحناء والكتم.
وكان داهية ذا مكر، وذا رأي وحزم في أمر دنياه، إذا رأى الفرصة لم يبق ولم يتوقف وإذا خاف الأمر دارى عنه، وإذا خصم في مقال ناضل عنه. وقطع الكلام على مناظره.
وكتب له عبيد بن أوس الغساني، وسرجون بن منصور الرومي. وعبد الملك ابن مروان فيما قيل؛ وعبد الرحمن بن دراج وسليمان بن سعيد مولى خشن.
وكان نقش خاتمه لا قوة إلا بالله وعلى قضائه فضالة بن عبيد الأنصاري وحاجبة صفوان مولاه، وقيل يزيد مولاه.
ومات عمرو بن العاص بن وائل السهمي بفسطاط مصر يوم الفطر سنة 43 وهو وال لمعاوية عليها، وله تسع وثمانون سنة. وقيل له تسعون سنة.
وإنما ذكرنا وفاته لأن كثيراً ممن لا علم له يقول أنه توفي بعد معاوية وتوفي أكثر أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم في أيامه، منهن أخته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان في سنة44. وحفصة بنت عمر بن الخطاب 45. وصفية بنت حيي ابن أخطب في سنة 50. وجويرية ابنة الحارث المصطلقية في سنة 56، وعائشة ابنة أبي بكر في سنة 58. وأم سلمة في سنة 59.

.ذكر أيام يزيد بن معاوية:

وبويع يزيد بن معاوية، ويكنى أبا خالد- وأمه ميسون ابن بحدل الكلبية من بني حارثة بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف ابن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب في رجب سنة 60 وامتنع من بيعته الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله بن الزبير حين أخذهما عامل المدينة بذلك، وخرجا إلى مكة فأقام ابن الزبير بها، وشخص الحسين يريد العراق، حين تواترت عليه كتبهم، وترادفت رسلهم ببيعته، والسمع والطاعة له، فلما قرب من الكوفة وقد قدم إليها ابن عمه مسلم ابن عقيل خذله أهل العراق، ولم يفول له بما كاتبوه به، ووافقوه عليه وانفضوا عن مسلم وأسلموه إلى عبيد الله بن زياد فقتله. وسير الجيوش إلى الحسين مع عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقتل يوم الجمعة لعشر ليال خلون من المحرم سنة 61، وقيل إن قتله كان يوم الاثنين والأول أشهر وعليه الأكثر.
ودفن بكربلاء من أرض العراق وله سبع وخمسون سنة، وقتل معه من ولد أبيه ستة وهم العباس وجعفر وعثمان ومحمد الأصغر وعبد الله وأبو بكر ومن ولده ثلاثة علي الأكبر وعبد الله صبي وأبو بكر بنو الحسين بن علي، ومن ولد الحسن بن علي عبد الله والقاسم، ومن ولد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عون ومحمد ومن ولد عقيل بن طالب خمسة مسلم وجعفر وعبد الرحمن وعبد الله بنو عقيل ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل.
وامتنع ابن الزبير من بيعة يزيد، وكان يسميه السكير الخمير. وأخرج عامله عن مكة وكتب إلى أهل المدينة ينتقصه، ويذكر فسوقه، ويدعوهم إلى معاضدته على حربه، وأخرج عامله عنهم. وإخراج أهل المدينة عامله ومروان بن الحكم وولده وغيرهم من بني أمية، وسيروهم إلى الشام فبعث إليهم يزيد مسلم ابن عقبة المري في أربعة آلاف، ومعه زفر بن الحارث الكلابي. وحبيش بن دلجة القيني، والحصين بن نمير الكندي، وعبد الله بن مسعدة الفزاري، وغيرهم من رؤساء الأجناد. وخرج يزيد مشيعاً لهم وموصياً. فقال لمسلم بن عقبة فيما وصاه به: أن حدث بك وحدث فالأمر إلى الحصين بن نمير، وإذا قدمت إلى المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حرباً فالسيف السيف ولا تبقى عليهم وانتهبها عليهم ثلاثاً وأجهر على جراحهم. واقتل مدبرهم. وإن لم يعرضوا لك، فامض إلى مكة فقاتل ابن الزبير. فأرجو أن يظفرك الله به، وأنشأ يزيد يقول والرايات تمر، وقد علا على نشر من الأرض، وأحاطت به الخيول:
أبلغ أبا بكر إذ الأمر انبرى ** وانحطت الرايات من وادي القرى

أجمع سكران من القوم ترى ** أم جمع يقظان نفي عنه الكرى

وكان ابن الزبير يكنى أبا بكر وأبا خبيب، وسار مسلم إلى المدينة وقد احتفر أهلها خندق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي كان حفره يوم الأحزاب وشكوا المدينة بالحيطان، وقال شاعرهم مخاطباً ليزيد:
إن بالخندق المكلل بالم ** د لضرباً بيدي عن النشوات

لست منا وليس خالك منا ** يا مضيع الصلوات للشهوات

فإذا ما قتلنا فتنصر ** واشرب الخمر واترك الجمعات

فالتقوا بالحرة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 63 وكان على قريش وحلفائهم ومواليهم عبد الله بن مطيع العدوي ابن عم عمر بن الخطاب، وعلى الأنصار وسائر الناس عبد الله بن حنظلة الغسيل بن أبي عامر الأنصاري ثم الأوسي، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل عبد الله بن حنظلة في عدة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ومواليهم وحلفائهم وغيرهم من ذلك من قريش والأنصار نحو من سبعمائة رجل ومن سائر الناس من الرجال والنساء والصبيان نحو من عشرة آلاف فيما ذكر محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي الكبير، وقيل دون ذلك وأكثر ودخل مسلم المدينة فانتهبها ثلاثة أيام وبايع من بقي من أهلها على أنهم قن ليزيد والقن العبد الذي ملك أبواه، وعبد مملكة الذي ملك في نفسه وليس أبواه مملوكين غير علي بن أبي الحسين بن علي بن أبي طالب، لأنه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة وعلي بن عبد الله بن العباس، فإن من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه.
فكان ذلك من أعظم الأحداث في الإسلام وأجلها وأفظعها رزء بعد قتل الحسين بن علي بن أبي طالب.
وهناك يزيد بحوارين من أرض دمشق مما يلي قارا والقطيفة طريق حمص في البر لسبع عشرة ليلة خلت من صفر سنة 64 وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
وكانت أيامه ثلاث سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وكان آدم شديد الأدمة، عظيم الهامة، بوجهه أثر جدري بين، يبادر بلذته، ويجاهر بمعصيته، ويستحسن خطأه، ويهون الأمور على نفسه في دينه إذا صحت له دنياه.
وكتب له عبيد بن أوس الغساني، وزمل بن عمرو العذري، وسرجون ابن منصور.
وكان نقش خاتمه ربنا الله وقاضيه أبو إدريس الخولاني، وحاجبه خالد مولاه، وقيل صفوان.